ذكرى والد وقصيدة
خواطر العم عبد العزيز
بعد أيام قليلة ستكون انصرمت ثلاثون سنة على وفاة والدي لأنني الآن في نفس عمره عندما توفي. كم هو غريب أن تبلغ نفس عمر والدك وتتذكر موته.
كان والدي شخصا طيبا يشعر بمعاناة الآخرين ويساعدهم ما أمكنه ذلك. وكما هو حال العلاقة بين الآباء وابنائهم مررت في علاقتي بوالدي بلحظات إيجابية وأخرى سلبية. كان شخصا شديد الميل إلى التحكم، لذلك غالبًا ما كان أسلوب رعايته تحكميا. أتذكر أنه مرة حاول إصلاح سيارتي دون استشارتي. طبعا سرّني أمر اهتمامه بسيارتي لكنني انزعجت أيضا لأنه لم يحدثني في ذلك. فالسيارة قبل كل شيء سيارتي!
أتذكر مرة أخرى منحه بعض المال لي للمساعدة في تغطية تكلفة سفري لزيارته هو وأمي… أتذكر قوله يومها «لا تخبر والدتك عن هذا». حاولت رفض المال لأنني لم أكن بحاجة إليه، لكنه أصر. بعده مباشرة منحتني والدتي خفية عنه أيضا بعض المال لنفس الغرض... وقالت بدورها "لا تخبر والدك عن هذا". لم أكن بحاجة إلى ذلك المال، لكنها أصرت هي الأخرى، فلم أخبرها أن والدي قد منحني مالا قبلها لنفس الغرض!
كان والدي رجلًا متدينًا طوال حياته بشكل يفوق تديُّني. كان مواظبا على الصلاة وقراءة كتاب الله. لكنني كنت أشعر دائمًا أن صلته بالله يطبعها البعد. كان الله بالنسبة له متعاليا موجودا هناك… لكن بمنأى عنه. فكان تعبُّده لا يتعدى تلاوة الصلوات والقيام بالعبادات.
ثم حدث أن أصيب بالسرطان الذي ظل بعد ذلك يحاربه لسنوات. وكم كان مريعا بالنسبة لي أن أرى صحته تتدهور يوما عن يوم. لكن تلك المعاناة مع المرض أحدثت تحولا في صلته بالله. أتذكر أني زرته مرة في المستشفى فطلب مني أن أصلي من أجله. لمست يومها أنه لم يكن يعني وقتها تلاوة صَلاةً من أجله، بل الحديث إلى الله وسؤاله أن يشفيه. ففهمت أن صلته بالله تغيرت. لم يعد ينظر إلى الله ككائن متعال بعيد، بل كائنا قريبا جدا منه يهتم به ويحبه.
كانت وقتها لدى والدي قصيدة أحبَّها بشكل خاص لأنها كانت تعبر عن شغفه الحميم بالله تعالى كما أعاد اكتشافه أثناء احتضاره. وكان عنوان هذه القصيدة «آثار خطى على الرمال». لهذا السبب، ولجمال القصيدة وعمقها ارتأيت في هذا الموسم - موسم الرحمة والغفران – أن أحولها إلى مقطع فيديو أتقاسمه بكل محبة معكم.

نميل للتفكير في الشجاعة من منظور الأعمال الكبيرة التي أنجزها مشاهير التاريخ. أولئك الذين واجهوا التحديات وانتصروا. يقال عادة إن التاريخ يكتبه المنتصرون لذلك لا نجد سوى...