عشاق الله

الملكوت و الحج

كان السلطان علي العادل ملكا عجوزا لا تحد أطراف مملكته التي كانت تتكون من مدن وقرى لا يحصيها العد. كانت كلمته وحدها بمثابة القانون المكتوب، وما كان يأمر به يحدث. من الطبيعي أن لا يكون جميع رعيته كانوا سعداء ولكن الناس في مملكته كانوا على العموم راضين على وضعهم. كانوا يعملون في الحقول أو أماكن شغلهم، ويجتمعون حول الطعام مع ذويهم وأقاربهم وجيرانهم. وهكذا استمرت الحياة.

وكان هناك شاب حديث العهد بالشباب اسمه بهجت بن حاتم يحلم بزمن يتخلص الناس فيه من حكم السلطان.، ويعيشون حريتهم كما ينبغي أن تكون. كانت رؤيته تتلخص في نظام قانوني جديد ينبني على فرضية أساسية مفادها أن مقياس الصواب والخطأ هو حصول أكبر عدد من الناس على أكبر قدر من السعادة، ولا تعود فيه كلمة السلطان هي الفصل، بل يُجمع الناس بأنفسهم على ما هو صواب وما هو خطأ.

كان بهجت يناقش رؤيته خلال اجتماعه بأهله وأصحابه وجيرانه عند وجبات الطعام. ومع تقدمه في السن أصبح فتى محترما، وأقبل الناس على الاستماع لأفكاره أكثر فأكثر والاتفاق حول رؤيته. ثم إن السلطان كان طاعنا في السن وليس أمامه الكثير من السنين ليعيشها.

بلغ السلطان خبر بهجت وآرائه. وفي الحق لو بلغ سلطانا آخر مثل تلك الأقوال والآراء لكان أمر باعتقال صاحبها وسجنه بل وأحيانا التنكيل به. لكن السلطان علي العادل لم يكن كذلك، بل كان يحترم شعبه حتى لو فعلوا شيئا يحزنه كثيرا، ولم يكن بهجت سوى فرد من أفراد ذلك الشعب.

دعا السلطان  شعبه إلى تجمع عامّ أمام القصر الكبير وخلاله منحهم كامل الحرية كما يفهمون هم الحرية بحيث أصبح بإمكانهم  الاختيار بين طاعة أمره او عدم طاعته دون قيد ولا شرط. فقد أصبح بإمكانهم منذ تلك اللحظة اختيار قوانينهم الخاصة وتطبيقها. وهكذا على الرغم من أن السلطان علي العادل كان رجلاً طيبًا ومحبوبا، إلا أن شكل الحرية الجديد جعل الشوارع تمتلئ فرحا واحتفالا. لقد شعر الناس أنهم أصبحوا أحرارًا بالفعل، أحرارًا في عيش الحياة كما يرغبون هم؛ كما أصبح بإمكانهم السعي وراء سعادتهم كما يريدون.

قرروا أن يكون لكل شخص بالغ الحق في الترشح والتصويت، كما قرروا أن يصبح الشخص الذي يحصل في كل قرية على أكبر عدد من الأصوات هو ممثل القرية. أما في المدن التي تنقسم إلى مقاطعات فالشخص الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في كل مقاطعة يصبح هو ممثلهما الرسمي.

في اجتماعاتهم حول موائد الطعام صار الناس يعلنون عما سيفعلونه إذا تم انتخابهم. كان البعض يروج لمزيد من الحرية حتى يستطيع كل شخص أن يفعل ما يشاء. وكان البعض الآخر يروج للملكية المشتركة حيث يعمل الجميع لصالح كامل المجتمع، بينما كان آخرون يجادلون عن أهمية حماية الوطن والأرض لأنه بدون حماية الأرض ، لن يكون لديهم من مصدر للطعام. وكان آخرون يأخذون من هذا الرأي وذاك ويؤلفون نظريات توفيقية ترضي الجميع.

عندما أزف موعد التصويت ، أصبح واضحا أنه على الرغم من وجود ممثلين مكتملين لبعض القرى، ورغم حصول شخص واحد على أكبر عدد من الأصوات، إلا أنه لم يكن يحظى بشعبية كافية من طرف نصف القرية الذين لم يصوّتوا له. بعبارة أخرى، الكثير من الناس لم يكن مرغوبا فيهم من طرف الكثيرين ولكنهم مع ذلك فازوا وأصبحوا ممثلين لقراهم ومقاطعاتهم!

عندما اجتمع ممثلو القرى والمقاطعات لاتخاذ قرار بشأن القوانين الجديدة اتضح أن هناك تضاربا في وجهات النظر. كان لكل ممثل في المجلس صوت واحد يدلي به، لذلك تم تمرير القوانين أو رفضها طبقا لذلك ومن ثمة تم وضع هيكل قانوني جديد.

ولأن سعادة الغالبية أصبحت الأمر الأهم تم الاتفاق على استعباد بعض الفئات الأشد فقرا. لم يكن هؤلاء سعيدين بذلك القرار الذي اتخذ في حقهم، لكن القانون أصبح ساري المفعول وأحبته الغالبية. إلا أن رجلا اسمه لؤي نادى بعدم شراء وبيع الآدميين مثل الماشية. فطردوه خارج البلدة بعيدا عن أرض السلطان علي العادل.

تم تمرير المزيد من القوانين تدريجياً وبعد سنوات عديدة تم تحرير العبيد الفقراء. لكن تجمعات المواطنين أصبحت أكثر عدوانية حيث دائما يكون أحد الجانبين في احتجاج وصراخ ضد الجانب الآخر. الجانب الأقوى كان دائما يفعل عكس الجانب الآخر ويعطي الوظائف لأتباعه بغض النظر عن مدى قدرتهم على أداء المهمة. فأصبح الأمر شبيها بأسرة يتم فيها تفضيل الأطفال على بعضهم البعض.

واستمر الأمر على هذا الحال بعد وفاة السلطان القديم، إلا أن الكثير من الأسئلة التي تهم مسألة الحرية بقيت دون جواب، إذ لم يذق بعدها الناس أبدًا طعم السعادة، أما الإخاء والوئام فقد ذهبا إلى غير رجعة.

ذات يوم زار البلد شاعر جوال اسمه شادي، وعند سماعه حكاية ما قد حدث ألف هذه الأغنية:

هل الغني أعلى شأنا من الفقير؟
هل الغريب أقل شأنا من  الصديق؟
هل الرضيع حقا أسمى من الشيخ الكبير؟
هل الأول حقا أعظم شأنا من الأخير ؟

حسنا، خمّنْ قيمتك، يا فتى؟
هل من شخص ينهض ويجيب؟
أيمكن  أن تكون قيمة الإنسان
مشروطة بقابليته للبيع والشراء؟

أ تعتقد أنك شخص مهم،
حسنًا، ما مقدار أهميتك وبالنسبة لمن؟
يبدو الأمر أسهل بكثير ليلا وأنت بين الأصدقاء تحت الأضواء الساطعة
لكن ما أوحش ليلك وأنت وحيد بين جدران غرفتك !

وسط ملايير البشر من يفتقدك
عند نهاية هذا العالم؟
وماذا يا ترى  يتبقى منك
عندما ينسى حتى أصدقاؤك ملامح وجهك؟

ما كان يسأله شادي في أغنيته كان في الواقع يرمي إلى سؤال عميق «ما هي الحرية الحقيقية؟»
 

 

شجاعة بهجت بن حاتم

نشأ بهجت بن حاتم في بلدة صغيرة، وكان والده أحد شيوخ البلدة. هناك كان الشيوخ هم الذين يبثون في أمور كثيرة وفقا لمشيئة السلطان علي العادل الذي كانت كلمته بمثابة قانون....

الملكوت و الحج

كان السلطان علي العادل ملكا عجوزا لا تحد أطراف مملكته التي كانت تتكون من مدن وقرى لا يحصيها العد. كانت كلمته وحدها بمثابة القانون المكتوب، وما كان يأمر به يحدث....

Facebook Comments Go here.

Facebook integration currently disabled.