الشجاعة لمواجهة التحديات
العم عبد العزيز
نميل للتفكير في الشجاعة من منظور الأعمال الكبيرة التي أنجزها مشاهير التاريخ. أولئك الذين واجهوا التحديات وانتصروا. يقال عادة إن التاريخ يكتبه المنتصرون لذلك لا نجد سوى القليل من حكايات الشجاعة التي واجه الناس فيها التحديات وخسروا. مثل هذا الأمر يؤثر على أسلوب تفكيرنا في مسألة الشجاعة حيث يصبح الأمر متعلقا بالانتصار والفوز أكثر من تعلقه بمسألة مواجهة التحدي.
وسيرة بني هلال خير مثال على ذلك. فقد تم تناقل هذه الحكاية الملحمية شفهيا عبر الأجيال وخلال ذلك طالتها العديد من التعديلات و التنقيحات والزيادات الإيجابية. تتمحور هذه السيرة حول فكرة تدليل قادة قبيلة بني هلال لكل الصعوبات التي واجهوها وتدميرهم في نفس الوقت لكل القبائل التي وقفت في طريقهم. لذلك تتحدث القصة عن القوة الخارقة لهؤلاء و دهاؤهم إلى درجة أنهم أصبحوا مضرب الأمثال مثل قول الناس أحيانا في بعض البلدان العربية «سكة أبي زيد كلها مسالك».
لذا عندما نفكر في الشجاعة علينا القيام بذلك على نحو موضوعي ومفيد؟ شخصيا أفكر أحيانًا في الشهداء الذين اختاروا الموت على الحياة وضحوا بحياتهم في سبيل قضية ما، والذين لم يموتوا مسربلين بالمجد في ميدان المعركة بل ماتوا وحيدين مغمورين. لقد واجه المهاتما غاندي الموت عندما صام حتى الموت جوعاً في محاولته لوقف العنف بين الأديان في الهند. وبعد ذلك قتل رميا بالرصاص على يد شخص لم يقبل أسلوبه في السلام.
كما انتقد غاندي المسيحية لأنه لاحظ أن المبشرين المسيحيين كانوا يحاولون إجبار الناس على التحول إلى المسيحية عند شعورهم باليأس. وقال أن ذلك الأسلوب لا يؤدي إلى تحول داخلي أو رقي أخلاقي أو إلى استيعاب مفهوم "المحبة" في المسيحية. غاندي كان يؤمن «أن ما من ديانة يمكنها ادعاء احتكار مسألة الحقيقة أو الخلاص». ومع ذلك، لم يدعم غاندي قوانين حظر النشاط التبشيري المسيحي، بل طلب من المسيحيين أولاً فهم رسالة السيد المسيح، ومن ثم السعي إلى العيش دون تشويه الديانات الأخرى. كان غاندي متحمسًا لأسلوب السيد المسيح لكنه كان رافضا للمسيحية الإمبريالية.
لي صديق احتفل بعيد ميلاده قبل أسبوع. هذا الصديق هو المثقف والروائي السوري مظهر ملوحي. لقد قرأ مظهر قصة غاندي منذ عقود كثيرة أثناء خدمته في الجيش السوري. كما أنه بحكم تربيته وثقافته سمع عن السيد المسيح، إلا أنه مع ذلك أدرك أنه لا يعرف الكثير عنه، لذلك قرر مثل غاندي قراءة الإنجيل. وبسبب ذلك استوعب رسالة السيد المسيح بعمق. لذلك لم ينبذ ثقافته الإسلامية وراء ظهره كما فعل الكثيرون، بل بقي مرتبطا بها إلى حد وصف نفسه بكونه «مسلما من أتباع السيد المسيح». سوى أن بعض أفراد عائلته لم يتقبلوا الأمر، ووصل الأمر بأحدهم إلى محاولة ذبحه والقضاء عليه. لكنه نجا من الموت وبقي عقودا بعد ذلك من الأشخاص الشجعان الذين لا أزال أحبهم وأحترمهم.
